فصل: فوائد الإيمان بالقضاء والقدر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **


فوائد الإيمان بالقضاء والقدر

الإيمان بالقضاء والقدر له فوائد‏:‏

أولًا‏:‏ تكميل الإيمان بالله

فإن القدر قدر الله - عز وجل - فالإيمان به من تمام الإيمان بالله ـ عز وجل ـ‏.‏

ثانيًا‏:‏ استكمال لأركان الإيمان

لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، ذكره ضمن الإيمان في حديث جبريل‏.‏

ثالثًا‏:‏ أن الإنسان يبقى مطمئنًا

لأنه إذا علم أن هذا من الله رضي واطمأن وعرف أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وقد قلنا‏:‏ إنه لا يمكن أن يغير الشيء عما وقع أبدًا، فلا تحاول، ولا تفكر، ولا تقل ‏:‏ ‏(‏لو‏)‏، فالذي وقع لا يمكن أن يتغير أو يتحول‏.‏

رابعًا‏:‏ أن هذا من تمام الإيمان بربوبية الله

وهذا يشبه الفائدة الأولى، لأن الإنسان إذا رضي بالله ربًا استسلم لقضائه وقدره واطمأن إليه‏.‏

خامسًا‏:‏ إن الإيمان بالقدر على وجه الحقيقة يكشف للإنسان حكمة

الله - عز وجل - فيما يقدره من خير أو شر، ويعرف به أن وراء تفكيره وتخيلاته من هو أعظم وأعلم، ولهذا كثيرًا ما نفعل الشيء أو كثيرًا ما يقع الشيء فنكرهه وهو خير لنا‏.‏ فأحيانًا يشاهد الإنسان رأي العين أن الله يعسر عليه أمرًا يريده، فإذا حصل ما حصل وجد أن الخير في عدم حدوث ذلك الشيء‏.‏ وما أكثر ما نسمع أن فلانًا قد حجز في الطائرة الفلانية على أنه سيسافر، ثم يأتي فيجد أن الطائرة قد أقلعت، وفاته السفر، فإذا بالطائرة يحصل عليها حادث‏.‏ فهو عندما حضر أولًا ليركب فيها ووجد أنها أقلعت يحزن، لكن عندما يقع الحادث يعرف أن هذا خير له، ولهذا قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 216‏]‏ ‏.‏

بقي علينا في حديث عمر ابن الخطاب - رضي الله عنه - سؤال جبريل النبي، صلى الله عليه وسلم، عن الإحسان، والساعة حيث قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم ما الإحسان ‏؟‏ قال النبي، صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أن تعبد الله كأنك تراه‏:‏ فإن لم تكن تراه فإنه يراك، فقال أخبرني عن الساعة‏؟‏ قال‏:‏ ما المسئول عنها بأعلم من السائل‏؟‏‏)‏‏.‏

أولًا‏:‏ الإحسان

الإحسان‏:‏ ضد الإساءة، وهو أن يبذل الإنسان المعروف ويكف الأذى، فيبذل المعروف لعباد الله في ماله، وعلمه، وجاهه، وبدنه‏.‏

فأما المال فأن ينفق، ويتصدق، ويزكي، وأفضل أنواع الإحسان بالمال الزكاة، لأن الزكاة أحد أركان الإسلام، ومبانيه العظام، ولا يتم إسلام المرء إلا بها، وهي أحب النفقات إلى الله ـ عز وجل ـ ويلي ذلك، ما يجب على الإنسان من نفقة لزوجته، وأمه، وأبيه، وذريته، وإخوانه، وبني إخوته، وأخواته وأعمامه، وعماته، وخالاته إلى آخر هذا، ثم الصدقة على المساكين وغيرهم، ممن هم أهل للصدقة كطلاب العلم مثلًا‏.‏

وأما بذل المعروف في الجاه فهو أن الناس مراتب، منهم من له جاه عند ذوي السلطان فيبذل الإنسان جاهه، يأتيه رجل فيطلب منه الشفاعة إلى ذي سلطان يشفع له عنده، إما بدفع ضرر عنه، أو بجلب خير له‏.‏

وأما بعلمه فأن يبذل علمه لعباد الله، تعليمًا في الحلقات والمجالس العامة والخاصة، حتى لو كنت في مجلس قهوة، فإن من الخير والإحسان أن تعلم الناس، ولو كنت في مجلس عام فمن الخير أن تعلم الناس، ولكن استعمل الحكمة في هذا الباب، فلا تثقل على الناس حيث كلما جلست مجلسًا جعلت تعظهم وتتحدث إليهم، لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، كان يتخولهم بالموعظة، ولا يكثر، لأن النفوس تسأم وتمل فإذا ملت كلت وضعفت، وربما تكره الخير لكثرة من يقوم ويتكلم‏.‏

وأما الإحسان إلى الناس بالبدن فقد قال النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ‏:‏ ‏(‏وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها، أو ترفع له عليها متاعه صدقة‏)‏‏.‏ فهذا رجل تعينه تحمل متاعه معه، أو تدله على طريق أو ما أشبه ذلك فكل ذلك من الإحسان، هذا بالنسبة للإحسان إلى عباد الله‏.‏

وأما بالنسبة للإحسان في عبادة الله‏:‏ فأن تعبد الله كأنك تراه، كما قال النبي، صلى الله عليه وسلم، وهذه العبادة أي عبادة الإنسان ربه كأنه يراه عبادة طلب وشوق، وعبادة الطلب والشوق يجد الإنسان من نفسه حاثًا عليها، لأنه يطلب هذا الذي يحبه، فهو يعبده كأنه يراه، فيقصده وينيب إليه ويتقرب إليه ـ سبحانه وتعالى ـ ‏(‏فإن لم تكن تراه فإنه يراك‏)‏، وهذه عبادة الهرب والخوف، ولهذا كانت هذه المرتبة ثانية في الإحسان، إذا لم تكن تعبد الله - عز وجل - كأنك تراه وتطلبه، وتحث النفس للوصول إليه فاعبده كأنه هو الذي يراك، فتعبده عبادة خائف منه، هارب من عذابه وعقابه، وهذه الدرجة عند أهل العبادة أدنى من الدرجة الأولى‏.‏

وعبادة الله ـ سبحانه وتعالى ـ هي كما قال ابن القيم - رحمه الله -‏:‏

وعبادة الرحمن غاية حبه

مع ذل عابده هما ركنان

فالعبادة مبنية على هذين الأمرين‏:‏ غاية الحب، وغاية الذل، ففي الحب الطلب، وفي الذل الخوف والهرب، فهذا هو الإحسان في عبادة الله ـ عز وجل ـ‏.‏

وإذا كان الإنسان يعبد الله على هذا الوجه، فإنه سوف يكون مخلصًا لله ـ عز وجل ـ لا يريد بعبادته رياء ولا سمعة، ولا مدحًا عند الناس، وسواء أطلع الناس عليه أم لم يطلعوا، الكل عنده سواء، وهو محسن العبادة على كل حال، بل إن من تمام الإخلاص أن يحرص الإنسان على ألا يراه الناس في عبادته، وأن تكون عبادته مع ربه سرًا، إلا إذا كان في إعلان ذلك مصلحة للمسلمين أو للإسلام، مثل أن يكون رجلًا متبوعًا يقتدى به، وأحب أن يبين عبادته للناس ليأخذوا من ذلك نبراسًا يسيرون عليه، أو كان هو يحب أن يظهر العبادة ليقتدي بها زملاؤه وقرناؤه وأصحابه ففي هذا خير، وهذه المصلحة التي يلتفت إليها قد تكون أفضل وأعلى من مصلحة الإخفاء، لهذا يثني الله - عز وجل - على الذين ينفقون سرًا وعلانية، فإذا كان السر أصلح وأنفع للقلب وأخشع وأشد إنابة إلى الله أسروا، وإذا كان في الإعلان مصلحة للإسلام بظهور شرائعه، وللمسلمين يقتدون بهذا الفاعل وهذا العامل أعلنوه‏.‏

والمؤمن ينظر ما هو الأصلح، كلما كان أصلح وأنفع في العبادة فهو أكمل وأفضل‏.‏

الساعة وعلامتها‏:‏

ثم قال جبريل للنبي، صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أخبرني عن الساعة متى تكون‏؟‏ فقال النبي، صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما المسؤول عنها بأعلم من السائل‏؟‏‏)‏‏.‏ فالمسؤول هو الرسول، صلى الله عليه وسلم، والسائل جبريل عليه السلام، وكلنا يعلم أن هذين الرسولين أفضل الرسل فجبريل أفضل الملائكة، ومحمد أفضل البشر، بل أفضل الخلق على الإطلاق، عليه الصلاة والسلام، وكلاهما لا يدري متى تقوم الساعة، لأنه لا يدري متى تقوم الساعة إلا الرب - عز وجل - قال تعالى‏:‏ ‏{‏يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 63‏]‏ ، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا‏}‏ ‏[‏النازعات‏:‏ 42‏:‏ 44‏]‏ ، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم، يقول لجبريل‏:‏ إذا كنت لا تعلمها فأنا أيضًا لا أعلمها، وليس المسؤول بأعلم من السائل، وإذا كانت خفية عليك فهي أيضًا خفية علي، فلا يعلمها إلا الله، قال‏:‏ ‏(‏فأخبرني عن أماراتها‏)‏‏.‏ أي علاماتها وأشراطها، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا‏}‏ ‏[‏محمد‏:‏ 18‏]‏ ‏.‏

وأشراط الساعة هي العلامات الدالة على قربها، وقد قسمها العلماء إلى ثلاثة أقسام‏:‏

القسم الأول‏:‏ أشراط مضت وانتهت‏.‏

القسم الثاني‏:‏ أشراط لم تزل تتجدد وهي وسط ‏.‏

القسم الثالث‏:‏ أشراط كبرى تكون عند قرب قيام الساعة‏.‏

فمن الأشراط السابقة المتقدمة‏:‏ بعثة النبي، صلى الله عليه وسلم، فإن بعثة الرسول، صلى الله عليه وسلم، وكونه خاتم النبيين دليل على قرب الساعة، ولهذا قال النبي، صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏بعثت أنا والساعة كهاتين وأشار بالسبابة والوسطى‏)‏‏.‏ أي إنهما متقاربان‏.‏

وأما الأشراط التي تتجدد وهي صغيرة، فمثل فتح بيت المقدس وغيرها مما جاءت به السنة عن النبي، صلى الله عليه وسلم‏.‏

وأما الأشراط الكبرى التي تنتظر فمثل طلوع الشمس من مغربها، فإن هذه الشمس التي تدور الآن، إذا غابت استإذًات من الله - عز وجل - أن تستمر في سيرها، فإن إذًا الله لها وإلا قيل لها‏:‏ ارجعي من حيث جئت، فترجع وتخرج من مغربها، وحينئذ يؤمن الناس إذا رأوها، ولكن‏:‏ ‏{‏لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 158‏]‏ ‏.‏

ثم ذكر الرسول، صلى الله عليه وسلم، من أشراطها‏.‏

أولًا‏:‏ قال‏:‏ ‏(‏أن تلد الأمة ربتها‏)‏

وفي رواية ‏(‏أن تلد الأمة ربها‏)‏، ومعنى هذا أن من أشراط الساعة أن الأمة التي كانت تباع وتشترى تلد من يكونوا أسيادًا ومالكين، فهي كانت مملوكة في الأول، وتلد من يكونوأسيادًا مالكين‏.‏

ويكون معنى قوله ‏:‏ ‏(‏ربتها‏)‏ أو ‏(‏ربها‏)‏ إضافة إلى الجنس، لا إضافة إلى نفس الوالدة، لأن الوالدة لا يمكن أن يملكها ابنها، ولكن المراد الجنس كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ‏}‏ ‏[‏الملك‏:‏ 5‏]‏ ، فالضمير في ‏{‏جعلناها‏}‏ يعود إلى الذي يرمى به الشهب، لكن لما كانت هذه الشهب تخرج من النجوم أضيفت إلى ضمير يعود عليها، كذلك ‏(‏ربها‏)‏ أو ‏(‏ربتها‏)‏ فالمراد الجنس أي إن الأمة تلد من يكون سيدًا أو تلد الأمة من تكون سيدة‏.‏

ثانيًا‏:‏ ‏(‏وأن الحفاة العراة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان‏)‏ وهذه الأوصاف تنطبق على الفقراء الذين من البادية يرعون الغنم يتطاولون في البنيان، وهذا يلزم أن أهل البادية يرجعون إلى المدن فيتطاولون في البنيان، بعدما كانوا حفاة، عراة، عالة، يرعون الشاء، وهذا وقع من زمان‏.‏

وهنا سؤال‏:‏ هل الرسول، صلى الله عليه وسلم، لما قال له جبريل‏:‏ أخبرني عن أماراتها‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏أن تلد الأمة ربها‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ إلخ هل أراد الحصر‏؟‏ أم أراد التمثيل‏؟‏ فالجواب‏:‏ أنه أراد التمثيل، وفي هذا دليل على أن الشيء قد يفسر ببعض أفراده على سبيل التمثيل، وإلا فهناك أشراط أخرى لم يذكرها النبي، صلى الله عليه وسلم‏.‏

‏(‏فانطلق‏)‏ ثم قال النبي، عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏أتدرون من السائل‏؟‏ قالوا‏:‏ الله ورسوله أعلم، قال‏:‏ ‏(‏هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم‏)‏‏.‏

فجبريل الذي له ستمائة جناح، وقد سد الأفق، أتى على صورة رجل، ثم قال‏:‏ ‏(‏يعلمكم دينكم‏)‏ ومع أن الذي علمنا الدين هو النبي، صلى الله عليه وسلم، لكن النبي، صلى الله عليه وسلم، جعل جبريل معلمًا، لأنه الذي سأل وكان التعليم بسببه، فيستفاد منه أن المتسبب كالمباشر‏.‏

وقد أخذ الفقهاء قاعدة من هذا في باب الجنايات قالوا‏:‏ ‏[‏المتسبب كالمباشر‏]‏ ولهذا سمى النبي، صلى الله عليه وسلم، جبريل الذي تسبب لتعليم الرسول، صلى الله عليه وسلم، هذا الدين الذي أجاب به جبريل سماه معلمًا‏.‏

الثاني‏:‏ أن الإنسان إذا سأل عن مسألة وهو يعلمها، لكن من أجل أن يعرفها الناس صار هو المعلم‏.‏ وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين‏.‏

وبهذا انتهى شرح حديث جبريل والحمد لله رب العالمين‏.‏